ما يتعلق بالمخبر بحديث الآحاد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله ابن القيم: لماذا أهل السنة والجماعة وعلماء الحديث يقولون: إن أخبار الآحاد تفيد العلم، فيقول: إن أهل الحديث لا يجعلون حصول العلم بمجرد هذه الأخبار الثابتة من جهة العادة المطردة، ليس لأن أي خبر آحاد عندهم يفيد العلم هكذا عادة مضطردة، في أي مخبر أو في حق سائر المخبرين؛ لأن هذا الأمر أو هذه القاعدة التي عندهم في إفادته العلم ترجع إلى أمور: منها: ما يرجع إلى المخبر، ومنها: ما يرجع إلى المخبر عنه ومنها: ما يرجع إلى المخبر به، ومنها: ما يرجع إلى المخبر المبلغ، فهذه الأربعة الأنواع.فأما ما يرجع إلى المخبر -اسم فاعل- فهم الذين أخبروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الصحابة والتابعون رضي الله تعالى عنهم ومن بعدهم، فهؤلاء -كما ذكر الشيخ رحمه الله- كانوا أصدق الخلق لهجةً، وأعظمهم أمانة، وأحفظهم لما يسمعون، وخصهم الله تبارك وتعالى من ذلك بما لم يخص به غيرهم، يقول: (فكانت طبيعتهم قبل الإسلام الصدق والأمانة) أي: هؤلاء الذين أسلموا رضي الله تعالى عنهم، حتى قبل إسلامهم كانوا أحفظ الناس، وأرعى الناس للحق والأمانة والصدق، فلما أسلموا زادهم ذلك صدقاً وأمانةً، فكانت عدالتهم وصدقهم وضبطهم وحفظهم هو عند الأمة أمر معلوم بالاضطرار، كما يعلمون إسلامهم وإيمانهم وجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاضطرار أنهم ثقات عدول صادقون حافظون متقنون. يقول: (كل من له أدنى علم بحال القوم يعلم أن خبر الصديق وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لا يقاس بخبر من عداهم، وأن حصول الثقة واليقين بخبرهم فوق الثقة واليقين بخبر من سواهم) إلى آخر كلامه، أي: أن المقصود ليس آحاد الناس في أي زمان ومكان أن يخبرنا آحاد من الناس فلان عن فلان أنهم رأوا أمراً معيناً وقع، أو أخبروا عن واقعه، أو عن مشاهدة رأوها، لا يكون ذلك بدرجة أو بقيمة ما يخبرنا به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور الدين، فهذه الثلاثة الأمور: المخبر، والمخبر عنه، والمخبر به، فلا يمكن أن يقاس هذا على هذا، ومن سوى بين خبر آحاد الخلق في أي زمان ومكان، وبين أخبار الصحابة وروايتهم ابتداءً من أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى غيره، فإنه قد ارتكب نوعاً من أقبح أنواع القياس، وأفسد أنواع القياس في الدنيا، بأن جعل هؤلاء كهؤلاء، إذ إن هؤلاء قد خصهم الله تبارك وتعالى وميزهم بما لم يعط غيرهم من بعدهم.